أراك كئيباً على غير
العادة
ماذا بك؟".
Saturday, November 29, 2008
رن جرس الباب،
فنظرت إلى الساعة،
و وجدتها تُشير إلى
السابعة مساء.
لابد
أنه اللبّان...لقد أعتاد
أن يأتى
فى مثل
هذا الوقت
طوال السنوات
الماضية.
كان
شخصاً مسيحياً، محباً، بشوشاً، لا تفارقه
الابتسامة،
و هو
اعتاد أن لا يأتى من
تلقاء نفسه فى
أيام الصوم،
لأنه يعرف
إننا لن
نحتاج إلى اللبن.
المهم،
فتحت الباب...."أهلاً بك،
إزيك يا
عم جرجس؟".
"الحمد لله". قالها
باقتضاب شديد و بلهجة
حادة. صب
لى ما
أحتاجه من اللبن،
و دخلت لأحضر النقود
و أعطيها له و قلت:
"أراك
كئيباً على غير
العادة ماذا بك؟".
"أبداً
واحدة من الزبائن
- مدام دميانة
- أنتِ تعرفينها،
علبها لى مبلغ
كبير من
المال، نظير لبن
بعته لها
طوال الثلاث
أشهر الماضية،
و قد
انتقلت إلى بيت
آخر و لم
تترك عنوانها
الجديد و لا يعرف
أحد من
جيرانها أين ذهبت".
لم أعرف ماذا
أقول فتمتمت
ببعض الكلمات
مثل: "معلهش....و
لا يهمك".
كنت أعوف
دميانة،
و أراها
دائماً مع أولادها
الصغار الأربعة. ظروفها المادية كانت صعبة،
و زوجها
كان يبحث
عن عمل
آخر مُجزى.
مرت ثلاثة
أيام صوم
يونان،
لم أرى فيها
عم جرجس،
و لكن عندما
جاء بعد
الصوم،
وجدت أن حاله
لم يتحسن،
بل بالعكس تحولت الكآبة
إلى غضب
و عصبية...
فسألته "هل مازلت
متأثراً بما حدث؟"
"نعم"
لم يهن
علىّ أن
أرى شخصاً
مرحاً، يمتلئ مرارة
بسبب موضوع
مادى.
فقلت
له: "نصحتنى
جدتى زمان
أنه عندما
يأخذ أحداً
شيئاً يخُصنى رغماً عنى،
أعطيه
له هدية
منى". "ماذا تقصدين؟"
"يجب
أن تعطى
اللبن هدية منك
لدميانة
و أولادها،
و تذكر
أنه لولاك
لما شرب
الأطفال لبناً دافئاًفى
أشهر الشتاء
الباردة".
"و لكن
اللبن قيمته حوالى
مائة جنيه،
و أنا
لم اُعط
أحداً من قبل
هدية ثمينة
كهذه"
"تذكر
وصية الرب
يسوع، من أخذ
الذى لك
فلا تُطالبه"
"لا أقدر على
تنفيذ هذه الوصية،
فهى صعبة
جداً" قال هذا
و مضى.
عندما جاءنى اليوم
التالى...ضحكت معه
قائلة:
"إيه
أخبار الهدية يا عم جرجس؟" رد: "أحاول
و لكنى لا أقدر...فمازلت أُريد نقودى"
. تغيب
يومين و عندما رأيته
قال لى:
"لقد صليت
كثيراً لياة أمس،
و طلبت
قوة لتنفيذ
الوصية...لقد أعطيتها
اللبن هدية منى.
و كم أنا سعيد
بهذا" فرحت أنا
أيضاً لأنه نفذ
الوصية،
و عاد
لطبيعته المرحة البشوشة. فى اليوم
التالى رأيته يضحك
قائلاً لى:
"هل
تدرى ماذا
حدث أمس
بعد أن
تركتك؟"
"أحكى لى..."
"واحد
من زملائى
مريض، و طلب منى
أن أقوم
ببيع اللبن
لزبائنه ريثما يتعافى
من مرضه.
و فيما
أنا راكب
الدراجة سمعت صوتاً
يُنادى علىّ...عم
جرجس...عم
جرجس...
أوقفت الدراجة لأرى صاحبة
الصوت، و إذا بها
مدام دميانة
تجرى خلفى
و تقول
و هى تلهث:
إزيك يا
عم جرجس،
أنا آسفة
جداً لأننى
نقلت بدون
ترك عنوانى
الجديد،
أنا
مدينة لك بمائة
جنيه....صحيح
أنا لا
أملك المبلغ
كله الآن،
و لكن
أرجو أن
تأخذ عشرين
جنيهاً الآن،
و تعود
مع بداية
كل شهر
حتى أسدد
الدين كله"
سألته: "و هل أخذت
العشرين جنيه"
رد بابتسامة عريصة: "و هل يأخذ
أحداً ثمن الهدية"